كأن اللقاء
وجد ليعذبنا...
و الغرفة التي كانت تحتضننا
كتوأم في رحم حجري
صارت آلافا من الغرف
تضم آلافا من الجدران و الدهاليز
بيني و بينك
و صار الصمت حاكما
و الاغتراب سيدا...
و الحذر المهذب العدواني المناخ حوارنا....
غادة السمان
اعتقال لحظة هاربة
قلت انتهينا .. وقالوا انتهينا .. وهاأنت ذا تمد أصابعك الدقيقة نحوي .. ثم تغرسها في قلبي مرة واحدة كخمسة خناجر .. حين يغمى على الذاكرة .. ويرحل الصحو عن مغاور القلب .. يزهر الفرح العتيق .. وأعود قادرة على النظر إلى وجهك .. دون أن ينزف جرح سري في روحي .. وهاأنت تزهر .. وتزهر .. هاأنت تسري في الأرض أزهاراً بنفسجية اسمها " لا تنسي" .. من قال لك أنني نسيت ؟! .. عبثاً نحاول التحليق عن أرض آثامنا .. وإساءاتنا المتبادلة .. حبال ستظل تشدنا أبداً إلى مستنقع التيه .. على زجاجك الموصد هطلت أكثر من مرة .. وكنت دوماً تبكي رحيلي دون أن تحول دونه ! .. لماذا بعد أن علمتني أن أعيشك وهماً .. وتعيشني حلماً .. عدت تبحث عن حقيقتي ؟ .. لن أكون لك .. وكي أمعن في إيلامك .. لن أكون لسواك أيضاً ! ..
كيف كان كل ما كان ؟ .. كيف أبحرنا في نهر الفراق الذي لا عودة منه؟ .. لم أعد أذكر .. كنا نصف جادين .. نصف هازلين ..هكذا الفواجع دائما .. كنا نلهو فوق ثلج عمرنا قبل أن يتسخ .. تسلينا ببناء سور .. ثم اكتشفنا أننا بنينا السور فيما بيننا .. ومن يومها وأنا أناديك وأنت تناديني من خلف السور .. كيف استحالت النكتة البيضاء إلى ثلج اسود ؟!! .. لم اعد وحيدة فوق الثلج .. جاء الأطفال .. وهاهم يلعبون .. يقتربون مني .. يتأملونني .. ويرقصون منشدين .. المرأة الثلجية .. من صنعها؟! .. ثم فجأة يركض أحدهم إلى أمه باكياً إن دمية الثلج تبكي .. ! أمه لا تصدقه .. وأنت .. حتى أنت لم تصدق ! ..
غادة السمان ..
ثلج النسيان الاسود ..
((لا أحد يلحظ موتي أو يسمع صوتي
يمضون إلي أنفاقهم ليتسلقوا مترو الموت اليومي
ثم يهبط ليل شاسع
لا يبالي بياسمينة دمشقية
تحتضر علي إسفلت
علميني كيف يعود العطر إلي وردته الأم
لأعود إليك
علميني كيف يعود الرماد جمرا
والأنهار نبعا
والبروق غيوما
يخيل إليّ أن بوسعي الالتهاب بك مرتين
والموت علي ركبة حقولك عشرات المرات
كل ما يعذبني غير موجود
تعذبني الشوارع التي لم تعد هناك
الوجوه التي ارتدت وجوها أخري
حكايا الحب التي لم أعرف كيف أعيشها
ولم أنجح في حفظها محنطة داخل صناديق الذاكرة الموصدة
فظلت نصف حية تهيم في قاع روحي.".))
.
.
(رسالة ضدالشيزوفرانيا..)
لماذا أحبت الحياة الموت..
فالتصقت به، لا تفارقه إلا لحظات؟
لماذا عشق الفرح الحزن..
ولم يعد أحدهما يأتي منفرداً
إلى ولائم القلوب؟
ولماذا كان على جرحي
أن يهوى مدينة لم تعد موجودة،
ورجلاً يموت كل يوم عشرات المرات...
مخطوفاً ومقصوفاً ومذعوراً ومُهاناً؟
كـ أيّة مواطنة متلبسة بالصدق..
أُعلن أنني تعبت من انفصام الشخصيات،
والشيزوفرانيا السياسية...
تعبت من انفصام الأرض عن الوطن..
وانفصام الدين عن الله..
وانفصام الإنسان عن المواطن..
وانفصام السياسي عن الأخلاقي..
وانفصام المقاتل عن القضية...
وانفصام الحرب عن ساحة المعركة الحقيقية...
*غادة السمان
من كتاب"رسائل الحنين إلى الياسمين"