ما الذي يجري في غزة؟ كيف تريدون منا التعاطف مع القضية الفلسطينية وأصحابها يقتتلون؟ ولماذا تمارس حماس ذات السلوك الأمني البشع الذي عرفت به السلطة الفلسطينية الفتحاوية على مدى عقود من الزمن؟ هذه بعض الأسئلة التي قد يسمعها الإنسان في المناطق البعيدة عن بؤرة الحدث (غزة وأخواتها)، وهي أسئلة تعكس عقلية الإنسان العادي الصادق غير المطلع على تفاصيل الأمور المشتبكة وغير المتصل مع الأحداث ومتابعة التحاليل والتواصل مع أهل الاختصاص.
والجواب أن التركة التي خلفتها الحكومة الفلسطينية التطبيعية ثقيلة وثقيلة جداً... والنظرة السريعة والسطحية للموضوع تعني أن حماس سيطرت على كل شيء وأن الدعم العربي قد عزز موقفها وأعانها على الاصلاح!! وهذه سذاجة مركبة.
إن غزة تحوي إضافة إلى الفصائل السياسية ذات الأجنحة المسلحة، تحوي كذلك عوائل من العيار الثقيل لها نفوذها المالي والأمني والسياسي بل ومصانع الأسلحة والمناطق المغلقة شبه محميات وثكنات عسكرية. والعمل مع الفصائل السياسية ممكن وطبيعي وفق أجندة سياسية زمنية تبادلية، أما العوائل فلهم أجندتهم العائلية الخاصة مثل عائلة (حلِّس)، فإن مجرمهم إذا ارتكب جريمة في حق مواطنيه كتحرش في فتاة أو غير ذلك، فإنه يدخل في حماية العائلة، التي تكون في حالات ومناطق أقوى من الفصائل والقانون، بالنسبة للأحداث الأخيرة التي حصلت في حي الشجاعية بغزة، وهي ثكنة عسكرية بالكامل فقد تحولت إلى بؤرة من بؤر تخزين وحماية المطلوبين للعدالة!
أهل غزة بمن فيهم أبناء حماس بدأوا يضغطون على حكومتهم، ويتساءلون ما معنى السكوت الطويل عن هذه العائلة وتجاوزاتها وثكنتها العسكرية؟ هل صار لدى سلطة حماس في القانون كبار وصغار ما أحرجوا سعيد صيام وزير الداخلية، إلى أن وقع التفجير الأخير على شاطئ غزة وكان أحد ضحاياه قياديا من حماس فشلت إسرائيل في اغتياله مرات ونجحت عصابة فتح في تصفيته وتقديمه قرباناً للكيان الصهيوني.
علينا قبل إبداء انطباعات عامة حول الأحداث أن نفهم الواقع، لقد بلغت قوة ونفوذ عائلة (حلِّس) أن حكومة غزة وقعت اتفاقية مكتوبة وبموجبها أن الداخلية لا تدخل هذه المنطقة إلا إذا طلبت الداخلية أحد المتسللين المطلوبين إلى حي الشجاعية الواقع تحت سيطرة العائلة. وحكومة غزة من اصلاحاتها والتحديات الضخمة وقعت تقديراً للمصلحة والموازنة بغية التدرج في اصلاح الوضع.
لكن صفاقة بلغت إلى درجة أن اثنين من الشرطة دخلا بالدراجات النارية التابعة للداخلية إلى المنطقة لتسليم بلاغ رسمي لجهة ما، فما كان من عائلة (حلِّس) إلا أن انزلوهما من الدراجات النارية وضربوهما وأحرقوا الدراجات.
صلف واستكبار واستهتار لا مثيل له، لكن للأسف ضد أبناء شعبهم!
أمين سر حركة فتح في غزة من العائلة نفسها، والذي يعتبر القيادة والمرجعية الفتحاوية الأول بغزة، خرج أمس على قناة فلسطين التابعة لفتح وغيرها من القنوات، يتوعد ويقول: لن نسمح لحماس بدخول شبر من حيّ الشجاعية ولن يكون ذلك إلا على جثثنا، ولما أحس بإنهاء المنظومة الأمنية لعصابته ولّى هاربا إلى إسرائيل، فأصابه الإسرائيليون بالنار في ساقه ثم حصل على إذن الدخول.
المفاجأة كانت من بقية العصابة التي توعدت وهددت حماس عندما فرت إلى الحدود الاسرائيلية رفضت استقبالهم إلا بعد أن يتعروا من ملابسهم تماماً إلا «البكيني الرجالي» الذي كانوا يلبسونه تحت البنطلون، ويرفعوا أيديهم وهم معصوبو الأعين، وظهروا بهذا الشكل المخزي على شاشة قناة «الجزيرة»، هذا هو البلاء الأعظم الذي نكبت به القضية الفلسطينية... وهذه هي قمة انتصارات القيادة التاريخية الفتحاوية... يرفعون أصواتهم وسلاحهم بقيم الصمود أمام اخوانهم المجاهدين... ثم يرفعون أيديهم ويقفون عرايا بالبكيني وبالاختيار أمام العدو الصهيوني!!
أول من أمس خرج على الفضائيات في مؤتمره الصحافي فهمي الزعارير القيادي البارز في حركة فتح يتوعد حركة حماس بالضفة باعتقال رموزها لمقايضتهم بمعتقلي فتح في غزة... تمنيت لو توعد الصهاينة الذين يدخلون إلى الضفة بين فترة وأخرى، وتعيدهم حكومة محمود عباس إلى إسرائيل مكرمين معززين... تمنيت لو توعد هؤلاء المعتدين ليقايضهم بأكثر من (11) ألف سجين فلسطيني في إسرائيل!!
إنهم أبطال بدرجة بكيني!!
د. محمّد العوضي